ما زال الحديث موصولاً عن العبد الكافر إذا قُبضت روحه. تحدثنا في اللقاء السابق عن قول رسول الله r " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة" " وإن العبد الكافر وفي رواية : الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة". وتوقفنا عند محاولة الصعود بروح العبد الكافر إلى السموات وقلنا أنها لن تفتح لهم أبداً (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) آية في كتاب الله تشرح أن الله تعالى بغضبه على هذا الذي كفر لن يحدث له أبداً ما حدث للعبد المؤمن ساعة مات والبشرى كل البشرى لهذا العبد الذي آمن به رباً وبالإسلام ديناً على مختلف العصور إلى عهد آدم ِ. السماء أغلقت أمام روح العبد الكافر ثم لا بد وأن تعود إلى الأرض. روح العبد المؤمن عادت إلى الأرض مع الملائكة الذين صعدوا بها من السماء الدنيا إلى السماء السابعة وأمر تعالى "اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى" أما العبد الكافر فيكتب كتابه في سجين وتهوي الروح من السماء الدنيا إلى تخوم الأرض لإعلان غضب الله تبارك وتعالى عليه " اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا " فإذا عادت روحه إلى الأرض جاءه ملكان فيجلسانه ويسألانه وأرجو أن نكون على بيّنه من أسئلة القبر وأرجو أن نكون قد وعيناها وحفظناها حتى نعد الأنفس لها من الآن. نفس الأسئلة التي سئل بها العبد المؤمن سيسأل عنها العبد الكافر لكن شتان بين الإجابتين، العبد المؤمن قال على سؤال من ربك؟ ربي الله وهذا الكلام من واقع الاعتقاد بلسان الحال لا بلسان المقال وإلا فالعبد الذي انفجرت به الطائرة في الجو أين قبره وأين سُئل؟، السؤال في القبر بلسان الحال لا بلسان المقال ومن ثم عليك أن تستعد بالإجابات التي هي مطلق العقيدة والاعتقاد الصحيح في دين الله عز وجل. العبد الكافر عندما يُسأل فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له : من ربك؟! فيقول : هاه هاه، لا أدري! فيقولان له : ما دينك؟! فيقول : هاه هاه، لا أدري! فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟! فيقول : هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء : أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره؛ حتى تختلف فيه أضلاعه، السؤال الرابع كأنه سؤال تفوق والعبد المؤمن هو الذي سيجيب على هذا السؤال إذا أجاب عن الأسئلة الثلاثة الأولى فالعبد الكافر لأنه ما استطاع الإجابة عن الأسئلة الأولى فلن يُسأل عن السؤال الرابع. قال الله تعالى بعد أن أجاب الكافر على الأسئلة " أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار " لم يقل سبحانه في حق العبد الكافر (أن كذب عبدي) لأنه لا يستحق في هذا اليوم أن يطلق عليه لفظ العبودية. وأذكركم بما قاله تعالى من انتساب المؤمن إليه بشرف العبودية ساعة قال (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) لن تكون إلا للعبد المؤمن الذي اطمأنت نفسه ساعة الموت. ما هي النفس المطمئنة؟ بعض علماء النفس قسموا النفس البشرية إلى النفس الأمارة والنفس اللوامة والنفس المطمئنة لكن علينا أن نفتح آذان القلوب لهذا الأمر. فالنفس إذا اطمأنت في الدنيا ضاعت وأبو بكر الصديق يقول أنا ما آمن مكر ربي ولو كانت إحدى قدماي في الجنة، إذن هو يخاف، هو يعيش بين الخوف والطمع يخاف الله تعالى ويتقيه ويعمل لهذا اليوم فلا اطمئنان في الدنيا ولذلك النفس المطمئنة هي نتيجة النفس اللوامة بدليل أن الله تعالى قال (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك) لم يقل اعملي، فهي لن تظهر إلا بعد انتهاء الأجل. النفس على إطلاقها أمّارة إمرأة العزيز قالت وهي تتوب إلى الله تبارك وتعالى (وما أبري نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) النفس على إطلاقها أمّارة بالسوء. الرجل المؤمن والمرأة المؤمنة الذين يخافون الله تبارك وتعالى يعدون الأنفس لتكون لوّامة وهنا نتذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل" النفس اللوامة هي التي تحاسبك كل ليلة فتنهاك في آخر اليوم وتصحح لك المسيرة في الغد ومن النفوس اللوامة نفس تلوم صاحبها كل سنة مثلاً تجد الرجل انضبط في رمضان هذه نفس لوامة لكن على هواها تلوم في المناسبات أما المؤمن الحق فقبل أن يرقد على فراشه كل ليلة تحاسبه نفسه اللوامة على ما جرى في اليوم فتتحول هذه النفس من نفس لوامة يومياً إلى لوامة لحظياً بالتدريب الذي يحدث لها كل ليلة إياك أن تفعل هذا وإياك أن تفعل هذا فتأخذه هذه النفس إلى النفس المطمئنة ساعة الموت بدليل قوله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك) لم يقل اعملي. فالاطمئنان يكون في ساعة لحظة هول المطلع عند سكرات الموت ساعة ترى المىئكة بيض الوجوه الذين يقول في حقهم رسول الله r كأن وجوههم الشمس ساعة تنظر إليهم فترى وجوههم البيض التي هي كالشمس ستطمئن نفسك وستعلم أنك أصبحت أو أمسيت من أهل الجنة لذلك (إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) أسأل الله تعالى لكل من آمن به الجنة.
النفس المطمئنة هي النفس اللوامة في الدنيا والاطمئنان ساعة الموت فقط ذلك أن مفهوم النفس المطمئنة عند بعض العلماء وعند بعض الشُرّاح على أنها من أقسام النفس. إسمعوا قول الحق (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن) ساعة ينعم الله عليه بالمال والبنين يقول ربي أكرمني فلن يحاسبني فيطمئن ويركن وهذا سيضيع. (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول رب أهانن) على ماذا سيحاسبني؟ هذا مفهوم خاطئ، المولى تبارك وتعالى يجيب على القولين (كلا) معناها أنه لا هذا الكلام منضبط ولا هذا الكلام منضبط و(كلا) كلمة زجر وردع، (كلا) قيلت للقولين فإذا كانت (كلا) تنفي هذا الكلام وترفضه فما الصواب؟ بحثت في القرآن فوجدت المعنى الذي تتضمنه (كلا) هذا قال أكرمني لأنه أغناني وهذا قال أهانني لأنه أفقرني كأني بكلا تقول لا الغني دليل الكرم ولا الفقر دليل الإهانة وإنما أكرمكم عند الله أتقاكم فكأن التقوى هي السبيل للجنة وهي الوسيلة التي تصل بك إلى الجنة والجنة غاية وسيلتها التقوى ولذلك (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الإكرام من الله الأكرم أن يجعلك من أهل التقوى والذي قال (رب أهانن) هذا ابتلاء لا بد أن تنجح فيه فالفقر ابتلاء والغنى ابتلاء. فالقضية لا بد لها من وقفة بعد أن عرض الله تبارك وتعالى كلام هذا الذي ادّعى الإكرام وهذا الذي ادعى الإهانة يوصف الله تبارك وتعالى إذا اطمأن هذا إلى هذا المفهوم وإذا اطمأن ذاك إلى هذا المفهوم ضاعوا والنفس المطمئنة لا تضيع والنفس المطمئنة التي تطمئن ساعة الموت هي التي قامت الليل وسعت بالنهار وأخلصت كل عمل عملته لله تبارك وتعالى في الدين والعبادة والعبودية والمعاملات شرعة ونهاجاً، شريعة وعقيدة. النفس المطمئنة ساعة الموت هي التي اتقت والتي خافت والتي اجتهدت وما عملت أمراً وإلا وفكرت أنه خالصاً لوجه الله فكانت النتيجة (يا أيتها النفس المطئمنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) سمعناها في قول r أن صدق عبدي في مقابل مع العبد الكافر قال " أن كذب" ولم يقل عبدي كما قال مع المؤمن " أن صدق عبدي". العبد الكافر " أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره؛ حتى تختلف فيه أضلاعه " يشعر في قبره بكل ما في النار ويضيق عليه القبر حتى تختلق عليه أضلاعه وهذه للعبد الكافر فقط أما العبد المؤمن يوسّع له في قبره مدّ البصر ولا يضيق عليه القبر. تكملة الحديث مهمة في هذه النقطة بعد أن يضيق القبر على الكافر يأتيه رجل " ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول : أبشر بالذي يسؤوك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول : من أنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالشر! فيقول : أنا عملك الخبيث، فيقول : رب! لا تقم الساعة " هذا هو العمل السيء الذي عمله العبد الكافر ومن ثم هذا يقول أبشر بيومك هذا وهذا يقول هذا اليوم الذي يسوؤك، العبد المؤمن بقول رب أقم الساعة والعبد الكافر يقول رب لا تقم الساعة وتلك أمنية خائبة لأن الساعة أجلها وميقاتها عند الله تبارك وتعالى ستقوم شئت أم أبيت لأنه (إن الله عنده علم الساعة) ولما سئل رسول الله r من جبريل الملك قال " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" علمها عند ربي، الله تعالى يعلم منتهاها وهو تعالى يجليها لوقتها. الساعة تردد معناها في اليوم 17 مرة (مالك يوم الدين) وسيأتي اليوم الذي يحاول المشرك والكافر والمنافق أن يتملصوا من الحساب فيقول لهم الله تبارك وتعالى هذا يوم الدين وأنا ملكه فسبحان الذي ملك النفوس وقهرها بالموت وسبحان الذي أذل رقاب الطغاة بالموت أنت لم تستطع أن تدفع عن نفسك المرض فلن تستطيع أن تدفع عن نفسك الموت فعد إلى صوابك وتأمل القرآن واسمعه بيقين وأعد العدة لهذا اليوم الذي لا مفر منه واستمع لقوله تعالى (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون) لما تقال هذه الكلمة في حق البشر الضعيف، يتصدعون أي يتفرقون لأنهم كانوا كل حزب بما لديهم فرحون لكنهم لأنهم خرجوا عن جماعة التوحيد وعن جماعة الإسلام الحق وعن جماعة الدين القيم الحنيف (يومئذ يصدعون). الموت هذا الأجل وهذا القدر وهذا الذي لن تستطيع أن تفرّ منه ومن ثمّ فالواعي منا هو الذي يسمع هذا الكلام فيتدبره ويعمل لهذا اليوم الذي قال الله تبارك وتعالى فيه (وجاءت سكرة الموت بالحق).