في اللقاء السابق عشنا مع حديث رسول الله r : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية وعلم نافع وولد صالح يدعو له " الحديث صحيح أخرجه الإمام مسلم والكلام واضحاً لكن المفهوم كان خاطئاً. هذا الحديث أردت أن أرشحه وأن أقوي الفهم فيه وتذكرت حديثاً لرسول الله r يشرح لنا فيه بلسان اليقين ومنطق الحق المبين كُنه الإنسان في الدنيا، كيف يعيش الإنسان في الدنيا. يقول r: "لك في الدنيا ثلاث رفقاء المال (كلمة المال تعني عند معظم الناس الأموال والنقود لكن المال هو كل ما لك في الدنيا من مال وعقارات وأراضي وغيرها) والأهل والعمل" تصور الناس يختلف عن واقع الأمر ولو سألنا أي شخص ما هو أقرب رفيق لك في الدنيا؟ يقول لك المال، لا يمكن أن أفعل شيئاً أو أهذب إلى مكان من غير نقود، هذه حقيقة لكن يعوزها الفهم الصحيح، هل المال أقرب رفيق نافع أو مضر؟ كيف أستخدم المال؟ مفهوم الناس أن المال أهم شيء في الدنيا لكن تخيل أنه أول من يفارقك ويتخلى عنك ساعة الموت. الرفقاء الثلاثة هم المال والأهل والعمل، العمل لا تراه هو الوحيد الذي سيلازم الميت، المال سيتخلى عنك فوراً لا يمكن أن يخرج معك من البيت، والأهل يأخذوا الميت من البيت إلى القبر لكن لا أحد منهم يدخل معه القبر لكن العمل هو الوحيد الذي سيدخل معك القبر. مال لا يغادر البيت، أهل يغادرون البيت معك إلى القبر والعمل هو الوحيد الأوحد الذي يدخل معك قبرك. لذلك إذا نظرت إلى الوضع بمنطق ووعي ستجد عجباً: المال الذي فارق الميت أول من فارق كيف جمعه الميت؟ من الحلال أو من الحرام؟، تدبر قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله. الميت وهو خارج من بيته ينادي بأعلى صوته وهذا هو لسان الحال: "يا أهلي يا أبنائي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حلِّه وحرامه تركت لكم المال تستمتعون به بعدي وسأسأل عنه وحدي أمام الله يوم القيامة". المال الذي لا تستغني عنه في الدنيا أول من سيتخلى عنك والميت يقول "يا أهلي يا أبنائي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حلِّه وحرامه تركت لكم المال تستمتعون به بعدي وسأسأل عنه وحدي أمام الله يوم القيامة" هذه قضية خطيرة وهذه قضية تحتاج إلى بحث في مسألة الرفقاء المال والأهل والعمل. ولو أنني واعي أهتم بالذي سيبقى معي في القبر، أهلي أعمل معهم صلة رحم حتى آخذ أجراً وأرضي الله تعالى لكن لا أضيع نفسي بأن أحضر مالاً حراماً لأولادي، ضع كل واحد في نصابه، لكن إياك أن تسرق من أجل ابنك أو من أجل زوجتك. المال يجب أن يكون من حلال وإذا انتقلنا من بيت الميت إلى القبر إلى الآخرة ستجد في المال عجباً، هذا المال الذي نظن أنه الملجأ والمفر قد يكون نكبة على صاحبه، الأهل قد ينفعونا لكن قد يكونون بلاء عليك ووبالاً عليك إذا اكتسبت حراماً من أجلهم. إياك أن تكتسب حراماً من أجل الأهل أو من أجل الناس. نحن للأسف نسينا العمل لأننا فهمنا حديث رسول الله r خطأ " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية وعلم نافع وولد صالح يدعو له" فهمنا أنه يمكن أن أعمل صدقة جارية لوالدي، الحديث صحيح لكن الإمام مسلم اختلف فيه هل الأجر يكون للعامل أو للوالد، أحدهم عمل صدقة لوالده والرجل يسأل الرسول ألي أجر؟ قال نعم وفي رواية أله أجر؟ قال نعم، الحديث ورد مرتين والإمام مسلم يشك أي رواية هي الصحيحة. لكن الأكيد والمضمون ما تفعله أنت بنص القرآن (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأنه سعيه سوف يُرى). نعود للرفقاء المال لم يخرج من البيت والأهل خرجوا إلى القبر وعادوا أما العمل فهو الذي يدخل معك القبر. في القيامة تُسأل عن عمرك وشبابك وعملك لكن لما نأتي إلى المال فالسؤال عنه من شقين: من أين اكتسبت؟ وفيما أنفقت؟ وأتحدى أن يأتي أحد بالمال الحرام ويصرفه في حلال أو العكس، والسؤال ورد من شقين لأن الإجابة عليهما واحدة فلو اكتسبت من حلال تكون أنفقت في حلال وإذا اكتسبت من حرام تكون أنفقت في الحرام. الله الذي رزقك هو الذي أمرك بالزكاة فيا ليتك تكسب من حلال وتنفق في حلال وتزكي من حلال.
" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية وعلم نافع وولد صالح يدعو له " لك يا ابن آدم في الدنيا ثلاث رفقاء المال والأهل والعمل المال لن يخرج معك من البيت والأهل يخرجون معك من البيت ولا يدخلون معك قبرك والعمل هو الذي يرافقك في الدنيا والآخرة إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ. يجب أن أقف عند المال الذي لا يخرج معي من البيت. هناك حديث آخر أخرجه الترمذي وصححه أهل التحقيق وعلى رأسهم الإمام الألباني" لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره وعلمه وماله وجسمه، عن عمره فيم أفناه (فيم ضيّعت وقتك؟ ستُسأل عن الوقت وستندم عن الوقت الذي ضاع بدون فائدة لا معاملات ولا عبادات) وعن علمه فيم فعل؟ عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ عن جسمه فيما أبلاه؟ هل أبليته في الصيام؟ في الركوع والسجود؟ تزكية النفس؟ إذا فعلت هذا فهنيئاً لك الجنة لكن إذا أبليته في الرقص والسهر واللغو فهذا أمر آخر. حديث لرسول الله r يقول فيه: " إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن (وأكبر دليل أنك تخفي الحرام ولهذا تخبّئه) ولذا قال r: البِرّ حسن الخًلق والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطّلع عليه الناس" يوضح أن الموضوع لا يحتاج دفاع يوم القيامة لأنك أنت الذي ستحاسب نفسك (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) جاءك الرسول بالمنهج بالقرآن بهداه r وأحاديثه التي لا حصر لها ونحن لا نأخذ من الأحاديث إلا الصحيح لكن المشكلة أننا نسمع الكلام ونأخذه على هوانا، سمعنا حديث الرسول r إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث لكننا فسرنا الحديث على هوانا. من رحمة الله تعالى أن هناك أعمالاً لا ينقطع أجرها لكن أنت عملتها في حياتك. أصبحنا في زمان لو تذكرنا أولادنا يكون فضل من الله تعالى، المسألة واضحة والدنيا أصبحت تلهي الناس فاعمل أنت لنفسك واسعى أنت وهذا من مطلق العدل (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) فإذا كان الإنسان يحج عن نفسه لا يحج بشكل صحيح فما بالك وهو يحج عن غيره؟ ما تفعله أنت غير ما يفعله لك غيرك، عودوا إلى صحيح الدين وتخلصوا من هذه البِدع، الشيوخ الذين تحضرهم لقراءة القرآن على الميت فهل أنت تضمنهم؟ على الأقل إقرأ أنت، علينا أن نخرج من هذه العادات. ونكرر الحديث " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية وعلم نافع وولد صالح يدعو له " عمله هو وليس عمل غيره. والحديث الثاني لك ثلاث رفقاء المال والأهل والعمل المال لا يخرج معك والأهل يخرجون معك من البيت إلى القبر والعمل يدخل معك القبر فإن خيراً فخير وإن شراً فشرّ، ويوم القيامة لن تتحرك رجلك إلى الجنة أو إلى النار حتى تُسأل عن عمرك وعلمك ومالك وجسمك فيم أفنيت عمرك وعلمك فيم فعلته وجسمك فيم أبليته ومالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته؟ كل هذا الكلام يوقفنا عنده آية مبدعة وهي قوله تعالى (وجاءت سكرة الموت بالحق) ساعة ما أموت سأرى الحقيقة كلها لكن السؤال هل هذا الحق سينفعني حينها؟ لن ينفع، الرجل الذي ضلّ ونام على فراش الموت وجاءت سكرة الموت بالحق لن تنفعه. سنضرب مثالاً مبدعاً حصل في القرآن: فرعون هل يصدق أحد أنه أعلن الإيمان وأعلن الإسلام؟ فرعون لما أعلن الإسلام يذكرنا بقوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (14) الحجرات) فرعون لما أدركه الغرق أعلن الإيمان فقال (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) يونس) وأعلن الإسلام لكن رد الله تعالى كان غاية في الإبداع قال (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)) لو جاءت سكرة الموت بالحق لا يضحك عليك الشيطان ويقول لك قل أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله هذه ستكون صعبة لأنها ستكون بلسان الحال لا بلسان المقال. وأنت في سكرات الموت تذكر أن الرسول r استعاذ بالله منها وهو الرسول r الذي غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال: "أعوذ بالله من سكرات الموت" ليعلمنا لذا لن تلحق أن تقولها لأن الشيطان يضحك عليك ويقول لك ساعة ترى ملائكة الموت قلها هذا ليس سهلاً فهي ليست قولاً فقط وإنما قول وعمل وفي الحديث عند مسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" فالمسألة ليست كلاماً وإنما قلب واعتقاد وعمل وجوارح وسعي لن تكون من أهل النار ثم تصبح من أهل الجنة لأن الحديث يقول "فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة" كان من أهل النار فسبق عليه الكتاب فعمل بعمل أهل الجنة. القضية تتلخص في الاعتقاد والقناعة والسعي والعمل والاجتهاد اللهم اجعلنا من أهل الاعتقاد الصحيح ومن أهل العمل المخلص ومن أهل جنة النعيم.